الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : فحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبو بكر معه ، احتمل أبو بكر ماله كله ، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف ، فانطلق بها معه . قالت : فدخل علينا جدي أبو قحافة ، وقد ذهب بصره ، فقال : والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه . قالت : قلت : كلا يا أبت ! إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا . قالت : فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده ، فقلت : يا أبت ، ضع يدك على هذا المال . قالت : فوضع يده عليه ، فقال : لا بأس ، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك . قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أن عبدالرحمن بن مالك بن جعشم حدثه ، عن أبيه ، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة ، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم . قال : فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا ، حتى وقف علينا ، فقال : والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه ، قال : فأومأت إليه بعيني : أن اسكت ، ثم قلت : إنما هم بنو فلان ، يبتغون ضالة لهم ؛ قال : لعله ، ثم سكت . قال : ثم مكثت قليلا ، ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسي ، فقيد لي إلى بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأُخرج لي من دبر حجرتي ، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ، ثم انطلقت ، فلبست لأمتي ، ثم أخرجت قداحي ، فاستقسمت بها ؛ فخرج السهم الذي أكره ( لا يضره ) . قال : وكنت أرجو أن أرده على قريش ، فآخذ المائة الناقة . قال : فركبت على أثره ، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي ، فسقطت عنه . قال : فقلت : ما هذا ؟ قال : ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره ( لا يضره ) قال : فأبيت إلا أن أتبعه . قال : فركبت في أثره ، فبينا فرسي يشتد بي ، عثر بي ، فسقطت عنه . قال : فقلت : ما هذا ؟ قال : ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره ( لا يضره ) قال : فأبيت إلا أن أتبعه ، فركبت في أثره . فلما بدا لي القوم ورأيتهم ، عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض ، وسقطت عنه ، ثم انتزع يديه من الأرض ، وتبعهما دخان كالإعصار . قال : فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني ، وأنه ظاهر. قال : فناديت القوم : فقلت : أنا سراقة بن جعشم : انظروني أكلمكم ، فوالله لا أريبكم ، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : قل له : وما تبتغي منا ؟ قال : فقال ذلك أبو بكر ، قال : قلت : تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك . قال : اكتب له يا أبا بكر . قال : فكتب لي كتابا في عظم ، أو في رقعة ، أو في خزفة ، ثم ألقاه إلي ، فأخذته ، فجعلته في كنانتي ، ثم رجعت ، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان ، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه ، فلقيته بالجعرانة . قال : فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار . قال : فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون : إليك إليك ، ماذا تريد ؟ قال : فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته ، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة . قال : فرفعت يدي بالكتاب ، ثم قلت : يا رسول الله ، هذا كتابك لي ، أنا سراقة بن جعشم ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوم وفاء وبر ، ادنُهْ . قال : فدنوت منه ، فأسلمت . ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره ، إلا أني قلت : يا رسول الله ، الضالة من الإبل تغشى حياضي ، وقد ملأتها لإبلي ، هل لي من أجر في أن أسقيها ؟ قال : نعم ، في كل ذات كبد حرّى أجر . قال : ثم رجعت إلى قومي ، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي . تصويب نسب عبدالرحمن الجعشمي قال ابن هشام : عبدالرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم . قال ابن إسحاق : فلما خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط ، سلك بهما أسفل مكة ، ثم مضى بهما على الساحل ، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان ، ثم سلك بهما على أسفل أمج ، ثم استجاز بهما ، حتى عارض بهما الطريق ، بعد أن أجاز قديدا ، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك ، فسلك بهما الخرار ، ثم سلك بهما ثنية المرة ، ثم سلك بهما لقفا . قال ابن هشام : ويقال : لفتا . قال معقل بن خويلد الهذلي : نزيعا محلبا من أهل لفت * لحي بين أثلة والنحام قال ابن إسحاق : ثم أجاز بهم مدلجة لِقْف ثم استبطن بهما مدلجة محاج - ويقال : مجاج ، فيما قال ابن هشام - ثم سلك بهما مرجح محاج ، ثم تبطن بهما مرجح من ذي العضوين - قال ابن هشام : ويقال : العَضَوين - ثم بطن ذي كشر ، ثم أخذ بهما على الجداجد ، ثم على الأجرد ، ثم سلك بهما ذا سلم ، من بطن أعداء مدلجة تعهن ، ثم على العبابيد . قال ابن هشام : ويقال : العبابيب ؛ ويقال : العثيانة . يريد : العبابيب . قال ابن إسحاق : ثم أجاز الفاجَّة ؛ ويقال : القاحة ، فيما قال ابن هشام . قال ابن هشام : ثم هبط بهما العرج ، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم ، فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم ، يقال له : أوس بن حجر ، على جمل له - يقال له : ابن الرداء - إلى المدينة ، وبعث معه غلاما له ، يقال له : مسعود بن هنيدة ، ثم خرج بهما دليلهما من العرج ، فسلك بهما ثنية العائر ، عن يمين ركوبة - ويقال : ثنية الغائر ، فيما قال ابن هشام - حتى هبط بهما بطن رئم ، ثم قدم بهما قباء ، على بني عمرو بن عوف ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين ، حين اشتد الضَّحاء ، وكادت الشمس تعتدل . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عبدالرحمن بن عويمر بن ساعدة ، قال : حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتوكفنا قدومه ، كنا نخرج إذا صلينا الصبح ، إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك في أيام حارة . حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جلسنا كما كنا نجلس ، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت ، فكان أول من رآه رجل من اليهود ، و قد رأى ما كنا نصنع ، وأنَّا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ، فصرخ بأعلى صوته : يا بني قيلة ، هذا جدكم قد جاء . قال : فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في ظل نخلة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه ، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ، وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر ، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام أبو بكر فأظله بردائه ، فعرفناه عند ذلك . قال ابن إسحاق : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف ، ثم أحد بني عبيد : ويقال : بل نزل على سعد بن خيثمة . ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم : إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس الناس في بيت سعد بن خيثمة . وذلك أنه كان عزبا لا أهل له ، وكان منزل الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ، فمن هنالك يقال : نزل على سعد بن خيثمة ، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة : بيت الأعزاب . فالله أعلم أي ذلك كان ، كلا قد سمعنا . ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف ، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح . ويقول قائل : كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير ، أخي بني الحارث بن الخزرج . وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها ، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل معه على كلثوم بن هدم . فكان علي بن أبي طالب ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول : كانت بقباء امرأة لا زوج لها ، مسلمة . قال : فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل ، فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه . قال : فاستربت بشأنه ، فقلت لها : يا أمة الله ، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة ، فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو ، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت : هذا سهل بن حنيف بن واهب ، قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال : احتطبي بهذا ، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف ، حتى هلك عنده بالعراق . قال ابن إسحاق : وحدثني هذا ، من حديث علي رضي الله عنه ، هند بن سعد بن سهل بن حنيف ، رضي الله عنه . قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس ، وأسس مسجده . ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة . وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك ، فالله أعلم أي ذلك كان . فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي رانُوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة . فأتاه عتبان بن مالك ، وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم ابن عوف ، فقالوا : يا رسول الله . أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة ؛ قالوا : خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، لناقته : فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة ، تلقاه زياد بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، في رجال من بني بياضة ، فقالوا : يا رسول الله : هلم إلينا ، إلى العدد والعدة والمنعة ؛ قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها . فانطلقت ، حتى إذا مرت بدار بني ساعدة ، اعترضه سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، في رجال من بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة ؛ قال : خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها ، فانطلقت ، حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج ، اعترضه سعد بن الربيع ، وخارجة بن زيد ، وعبدالله بن رواحة ، في رجال من بني الحارث بن الخزرج ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال : خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها . فانطلقت ، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار ، وهم أخواله دنيا - أم عبدالمطلب ، سلمى بنت عمرو ، إحدى نسائهم - اعترضه سليط بن قيس ، وأبو سليط ، أُسيرة بن أبي خارجة ، في رجال من بني عدي بن النجار ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلى أخوالك ، إلى العدد والعدة والمنعة ؛ قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها ، فانطلقت . حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار ، بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم ، وهو يومئذ مِرْبد لغلامين يتيمين من بني النجار ، ثم من بني مالك بن النجار ، وهما في حجر معاذ بن عفراء ، سهل وسهيل ابني عمرو . فلما بركت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل ، وثبت فسارت غير بعيد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفتت إلى خلفها ، فرجعت إلى مبركها أول مرة ، فبركت فيه ، ثم تحلحلت وزمَّت وألقت بجرانها ، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله ، فوضعه في بيته ، ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأل عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو ، وهما يتيمان لي ، وسأرضيهما منه ، فاتخذه مسجدا . بناء مسجد المدينة و مساكنه صلى الله عليه و سلم قال : فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبنى مسجدا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه ، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، ودأبوا فيه ، فقال قائل من المسلمين : لئن قعدنا والنبي يعمل * لذاك منا العمل المضلِّل وارتجز المسلمون وهو يبنونه يقولون : لا عيش إلا عيش الآخره * اللهم ارحم الأنصار والمهاجره قال ابن إسحاق : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا عيش إلا عيش الآخرة ، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار . قال : فدخل عمار بن ياسر ، وقد أثقلوه باللبن ، فقال : يا رسول الله ، قتلوني ، يحملون علي ما لا يحملون . قالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده ، وكان رجلا جعدا ، وهو يقول : ويح ابن سمية ، ليسوا بالذين يقتلونك ، إنما تقتلك الفئة الباغية . وارتجز علي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ : لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيه قائما وقاعدا و من يُرى عن الغبار حائدا قال ابن هشام : سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر ، عن هذا الرجز ، فقالوا : بلغنا أن علي بن أبي طالب ارتجز به ، فلا يُدرى : أهو قائله أم غيره . قال ابن إسحاق : فأخذها عمار بن ياسر ، فجعل يرتجز بها . قال ابن هشام : فلما أكثر ، ظن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يعرض به ، فيما حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن ابن إسحاق ، وقد سمَّى ابن إسحاق الرجل . قال ابن إسحاق : فقال : قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية ، والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك . قال : وفي يده عصا . قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ما لهم ولعمار ، يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار ، إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يُستبق فاجتنبوه . قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة عن زكريا ، عن الشعبي ، قال : إن أول من بنى مسجدا عمار بن ياسر . قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب ، حتى بُني له مسجده ومساكنه ، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب ، رحمة الله عليه ورضوانه . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبدالله اليزني ، عن أبي رهم السماعي ، قال : حدثني أبو أيوب ، قال : لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، نزل في السفل ، وأنا وأم أيوب في العلو ، فقلت له : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك ، وتكون تحتي ، فاظهرْ أنت فكن في العلو ، وننزل نحن فنكون في السفل ؛ فقال : يا أبا أيوب ، إنّ أرفق بنا وبمن يغشانا ، أن نكون في سفل البيت . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله ، وكنا فوقه في المسكن ؛ فلقد انكسر حُبّ لنا فيه ماء ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ، ما لنا لحاف غيرها ، ننشف بها الماء ، تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه . قال : وكنا نصنع له العشاء ، ثم نبعث به إليه ، فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده ، فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة ، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلا أو ثوما ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم أر ليده فيه أثرا . قال : فجئته فزعا ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، رددت عشاءك ، و لم أر فيه موضع يدك ، وكنت إذا رددته علينا ، تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك ، نبتغي بذلك البركة ؛ قال : إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة ، وأنا رجل أُناجَى ، فأما أنتم فكلوه . قال : فأكلناه ، ولم نصنع له تلك الشجرة بعد . تلاحق المهاجرين إلى الرسول صلى الله عليه و سلم بالمدينة قال ابن إسحاق : وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق بمكة منهم أحد ، إلا مفتون أو محبوس ، ولم يوعب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهل دور مُسمَّون : بنو مظعون من بني جمح ؛ وبنو جحش بن رئاب ، حلفاء بني أمية ؛ وبنو البكير ، من بني سعد بن ليث ، حلفاء بني عدي بن كعب ، فإن دورهم غلقت بمكة هجرة ، ليس فيها ساكن . ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم ، عدا عليها أبو سفيان بن حرب ، فباعها من عمرو بن علقمة ، أخي بني عامر بن لؤي ؛ فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم ، ذكر ذلك عبدالله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ترضى يا عبدالله أن يعطيك الله بها دارا خيرا منها في الجنة ؟ قال : بلى ؛ قال : فذلك لك . فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، كلمه أبو أحمد في دارهم ، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال الناس لأبي أحمد : يا أبا أحمد ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أُصيب منكم في الله عز وجل ، فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لأبي سفيان : أبلغ أبا سفيان عن * أمر عواقبه ندامه دار ابن عمك بعتها * تقضي بها عنك الغرامه وحليفكم بالله رب * الناس مجتهد القسامه اذهب بها ، اذهب بها * طُوّقتها طوق الحمامه قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول ، إلى صفر من السنة الداخلة ، حتى بُني له فيها مسجده ومساكنه ، واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها ، إلا ما كان من خطمة ، وواقف ، ووائل ، وأمية ، وتلك أوس الله ، وهم حي من الأوس ، فإنهم أقاموا على شركهم . وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبدالرحمن - نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم . تَعْلَّمُنَّ والله لَيُصعقن أحدكم ، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه ، وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا وأفضلت عليك ؟ فما قدمت لنفسك ؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم . فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجُزى الحسنة عشر أمثالها ، إلى سبع مئة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى ، فقال : إن الحمد لله ، أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى ، قد أفلح من زينه الله في قلبه ، وأدخله في الإسلام بعد الكفر ، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنه أحسن الحديث وأبلغه ، أحبوا ما أحب الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله وذكره ، ولا تقس عنه قلوبكم ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي ، وقد سماه الله خيرته من الأعمال ، ومصطفاه من العباد ، والصالح من الحديث ؛ ومن كل ما أوتي الناس الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتقوه حق تقاته ، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن يُنكث عهده ، والسلام عليكم . الرسول صلى الله عليه و سلم يوادع اليهود وكتابه بين المسلمين من المهاجرين و الأنصار قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم وأموالهم ، وشرط لهم ، واشترط عليهم : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم ، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم ، فلحق بهم ، وجاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل . قال ابن هشام : المُفْرح : المثقل بالدين والكثير العيال . قال الشاعر : إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة * وتحمل أخرى أفرحتك الودائع وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ؛ وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة ظُلم ، أو إثم ، أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين ؛ وإن أيديهم عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم ؛ ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن ؛ وإن ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم ؛ وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ؛ وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة ، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ؛ وإن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله ، إلا على سواء وعدل بينهم ؛ وإن كل غازية غزت معنا يُعقب بعضها بعضا ؛ وإن المؤمنين يُبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله ؛ وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه ؛ وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن ؛ وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول ، وإن المؤمنين عليه كافة ، ولا يحل لهم إلا قيام عليه ؛ وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر ، أن ينصر مُحْدثا ولا يُؤويه ؛ وأنه من نصره أو آواه ، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل ؛ وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء ، فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ؛ وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يُوتِغُ إلا نفسه ، وأهل بيته ، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ؛ إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته ؛ وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم ؛ وإن لبني الشُّطَيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وإن البر دون الإثم ؛ وإن موالي ثعلبة كأنفسهم ؛ وإن بطانة يهود كأنفسهم ؛ وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وإنه لا ينحجز على نار جرح ؛ وإنه من فتك فبنفسه فتك ، وأهل بيته ، إلا من ظلم ؛ وإن الله على أبر هذا ؛ وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ؛ وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ؛ وإن بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم ؛ وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه ؛ وإن النصر للمظلوم ؛ وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ؛ وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ؛ وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا آثم ؛ وإنه لا تجُار حُرمة إلا بإذن أهلها ؛ وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخُاف فساده ، فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره ؛ وإنه لا تجُار قريش ولا من نصرها ؛ وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنهم يصالحونه ويلبسونه ؛ وإنهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين ، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قِبَلَهم ؛ وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم ، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة . مع البر المحض ؟ من أهل هذه الصحيفة . قال ابن هشام : ويقال : مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة . قال ابن إسحاق : وإن البر دون الإثم ، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ؛ وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره ؛ وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم ، وإنه من خرج آمنٌ ، ومن قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم أو أثم ؛ وإن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
|